Tuesday, February 1, 2011

هايد بارك مصري

 
ساطع نور الدين

 


عندما يتحوّل ميدان التحرير الواقع في قلب العاصمة المصرية الى «هايد بارك» سياسي مفتوح، تكون مصر قد بدأت من نقطة الصفر عملية اكتشاف شكل تقليدي قديم من أشكال الحرية والديموقراطية الغربية، ودخلت في اختبار مثير لإنتاج طبقة سياسية جديدة تسد فراغاً هائلاً خلفته العقود الثلاثة الماضية من عهد الرئيس حسني مبارك، ومن عهدين جمهوريين سابقين ألغيا السياسة المحلية لمواجهة تحديات خارجية كبرى، ليس أقلها الصراع مع العدو الاسرائيلي.

هي عودة الى ما قبل انفجار ذلك الصراع الذي ساهم في بلورة الدولة المصرية المعاصرة في مطلع خمسينيات القرن الماضي، بحثاً عن تعددية سياسية من دون ملك أو عرش، وبالاستناد الى الدستور الجمهوري الذي وضعته الثورة الناصرية.. وبالاتجاه نحو عهد جديد ينحي جانباً الاولويات التقليدية للسياسة الخارجية، وأهمها الفكرة القومية وقضاياها وتشعباتها التي كانت مثار جدل مصري دائم، حتى في ذروة المواجهة مع اسرائيل.

وبهذا المعنى، فإن ما يجري اليوم في مصر هو التأسيس الثالث للدولة المصرية، بعد التأسيس الاول في ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، والتأسيس الثاني في ثورة العام 1952 بقيادة الضباط الاحرار. أو هو الرد المصري الثالث على تهديد خارجي جديد يتمثل هذه المرة في المشروع الاميركي الضاغط، بعد التهديد الاول لمصر الذي مثلته معاهدة سايكس بيكو وقاد الى الثورة السعدية، والتهديد الثاني الذي جسده قيام دولة اسرائيل وأدى الى الثورة الناصرية.

لكنه رد أعمق وأشمل من ذي قبل، هو أقرب الى ثورة 1919 منه الى ثورة 1952 في الشكل وفي الجوهر. والتغيير الذي سيحدثه سيكون جذرياً، سواء على مستوى الداخل المصري الذي يتذوق للمرة الاولى طعم الحرية المطلقة، ويستمتع بها ويعتبرها شرطاً من شروط تكوين أي سلطة مقبلة، أو على مستوى الخارج العربي الذي يرى في مصر نموذجا يحتذى كما هي الحال دائما منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم.

الثورة المصرية نجحت حتى قبل أن يلقي الثوار السلاح، وحتى قبل أن يرفع الرئيس حسني مبارك وفريقه السياسي والعسكري الحاكم الراية البيضاء. لا عودة الى الوراء ابدا. لكن قيام الدولة المصرية الجديدة شأن آخر يحتاج الى الكثير من الوقت والجهد، والى المزيد من الحراك في الشارع الغاضب وغير المنظم وغير المسيس، والى المزيد من النقاش في الغرف المغلقة التي لا تزال تفتقر الى وجوه سياسية كفوءة والى أفكار خلاقة تضمن استقرار مصر على المدى الطويل..

ما يشهده ميدان التحرير هذه الايام، هو اللقاء الاول وجهاً لوجه بين جيل الانترنت الشاب الذي قاد الثورة المصرية الحديثة، وسياسيين يطمحون الى التعرف على هذا الجيل والى طلب الحصول على تفويضه لتحقيق الاهداف الثورية المحددة: الاختبار لا يزال في بدايته، والميدان الذي يستلهم هايد بارك اللندني الشهير وزاوية الخطابة المعروفة، يفسح المجال لخطباء وشعارات من مختلف الالوان، لم يعد بالامكان محوها من الذاكرة المصرية.. برغم الاعتقاد الشائع ان الجيش هو الوريث الشرعي الوحيد لمبارك

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.