Thursday, December 4, 2014

دور شركة #اكسون في #العراق #نفط والسياسة الأميركية

)لندن- رويترز)  في يناير 2011 عينت شركة إكسون واحدا من أكثر الرجال اتصالا بأصحاب القرار في العراق ذوي. هذا الرجل هو علي الخضيري وهو أمريكي من أصل عراقي عمل في بغداد مساعدا خاصا لخمسة سفراء أمريكيين ومستشارا لثلاثة جنرالات أمريكيين.
وفي اجتماع مع إكسون بعد بضعة أشهر لتحليل مستقبل العراق طرح الخضيري ما يدور برأسه من أفكار.
قال الخضيري إنه أبلغ هذا الاجتماع أن العراق في ظل نوري المالكي يتجه صوب الدكتاتورية والحرب الأهلية. وعاد بذاكرته للوراء فتذكر أنه قال "سنشهد زيادة في العنف وشلل تام في بغداد."
وقال إن العراق سيشهد تقاربا متزايدا مع ايران "ما سيكون له أثر عكسي على الشركات الأمريكية."
واجتذب هذا التصور المتشائم اهتمام مديري اكسون. فقبل عامين فحسب وقعت الشركة صفقة قيمتها 25 مليار دولار مع العراق لتطوير حقل غرب القرنة الذي يعد من أكبر حقول البلاد.
وقال الخضيري الذي شرح لرويترز وللمرة الأولى تفاصيل ما دار في الاجتماع وما أعقبه من أحداث "لم يكن أحد يريد أن يسمع انهم تفاوضوا على صفقة بمليارات الدولارات في بلد سينهار قريبا."
واقترح على الشركة بديلا يتمثل في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال العراق ويشهد استقرارا سياسيا وبعيد عن الفوضى الحاصلة في جنوب البلاد وتقول بعض التقديرات إن احتياطياته النفطية تبلغ 45 مليار برميل.
وبعد أقل من عام وقعت إكسون اتفاقا مع كردستان. وتفسر الأحداث التي أدت لذلك جانبا كبيرا من القوة المتنامية للاقليم.
وتوضح المقابلات التي أجريت مع الاطراف الرئيسية في المفاوضات السرية عام 2011 والمحادثات التي شاركت فيها مجموعة رويال داتش شل النفطية العملاقة كيف أغضب قرار إكسون واشنطن وبغداد وساهم في تقريب كردستان من حلم الاستقلال.
ويحب الأكراد أن يرددوا أنهم أكبر مجموعة عرقية في العالم ليس لها دولتها الخاصة.
ويلغ عدد الأكراد 35 مليونا ويعيشون في منطقة تمتد من سوريا وجنوب تركيا وعبر شمال العراق إلى ايران. وأغلبهم يتبعون المذهب السني ويتحدثون لغة خاصة وإن اختلفت لهجاتها.
وغذت صفقة إكسون إيمان الاكراد بقضيتهم. وساعدهم وجود أكبر شركة نفط أمريكية لا من الناحية المالية فحسب بل من الناحيتين السياسية والنفسية.
وقال فؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان لرويترز "جانب من عملية بناء اقليمنا يتعلق بالطبع بالتعامل مع النفط وتوقيع العقود والمفاوضات مع دول مختلفة."
وأضاف أن صفقة إكسون أكدت شرعية اتفاقيات النفط الأصغر التي وقعتها كردستان من قبل وكانت "انتصارا كبيرا لنا."
وامتنعت اكسون عن التعقيب.
ورغم الصفقة فإن مسار كردستان إلى الدولة المستقلة أبعد ما يكون عن اليقين. فالاستقلال تعارضه واشنطن وبغداد وتركيا وايران. كذلك فمن غير الواضح ما إذا كان لدى الاكراد من القوة ما يكفيهم للوقوف وحدهم في هذه المنطقة المضطربة.
ومع تقدم تنظيم الدولة الاسلامية في العراق خلال الصيف انهارت القوات العراقية وتركت للمقاتلين الأكراد المعروفين باسم البشمركة مهمة وقف تقدم المتطرفين.

وعندما هددت الدولة الاسلامية اربيل عاصمة اقليم كردستان العراقي تدخلت الولايات المتحدة لانقاذ الاكراد بحملة قصف. ويوم الثلاثاء توصلت بغداد واربيل إلى اتفاق مؤقت لانهاء نزاعهما على صادرات النفط ومدفوعات الميزانية فيما بدا للوهلة الأولى أن اقليم كردستان عاد للانضواء تحت سيطرة العاصمة العراقية.
لكن الاتفاق لم يفعل شيئا لتسوية المشاكل بين اربيل وبغداد ودفع العاصمة العراقية بالفعل للتسليم بتطوير اربيل لمواردها النفطية مع اكسون وغيرها من الشركات الأجنبية وتركيا. وقدمت اربيل تنازلات لكنها ضمنت الاحتفاظ بما تحقق من تقدم في السنوات الثلاث الأخيرة.

تغير التفكير
وتهتم شركات النفط بكردستان منذ سنوات. لكن بعد إطاحة الولايات المتحدة بصدام حسين عام 2003 أوضحت سلسلة من الحكومات في بغداد إن على الشركات الراغبة في الحصول على شريحة من الجائزة الكبرى المتمثلة في احتياطيات النفط الضخمة في الجنوب ألا تبرم اتفاقات منفصلة مع الأكراد.
ومبعث الخوف أن السماح للأكراد بالتحكم في النفط سيحرم الحكومة المركزية من ايرادات بمليارات الدولارات ويعجل بتفكك الدولة.
وبدأ رفض الشركات الغربية يذوب بعد أن أقرت كردستان تشريعات أكثر لجذب شركات النفط عام 2007. وبدأت الشركات المتوسطة الاستثمار رغم أن الشركات الكبرى ظلت خارج المشهد.
وفي النهاية وزعت بغداد امتيازات النفط في جنوب العراق في عامي 2009 و2010 وسارعت الشركات الكبرى للتوقيع. لكن الشروط كانت صعبة وسرعان ما شعر كثير من الشركات بخيبة أمل ومن بينها إكسون.
وبهدوء بدأت إكسون في أواخر عام 2010 تستكشف موقف حكومة إقليم كردستان. وقال حسين رئيس ديوان الرئيس الكردي إن المحادثات الرسمية بدأت في أوائل العام التالي.

وكان الخضيري قد استقال من الادارة الامريكية في العام السابق احتجاجا على السياسات الأمريكية في العراق والتي اعتقد أنها تضر بمصالح واشنطن في المنطقة.
وبرز الخضيري في عالم النفط الذي يمتليء برجال النفط من تكساس ورجال القوات المسلحة السابقين. وبدت عليه الثقة وصلاته بذوي الشأن بهيئته الشابة وجسمه النحيل وسمت الأكاديمي. فقد كان مطلعا على الكثير من الصفقات السياسية غير المعلنة في العراق منذ 2003 وكان له قناة اتصال مباشر برئيس كردستان.
وشرعت إكسون في إعادة النظر من موقفها تجاه كردستان عندما اجتمعت مجموعة صغيرة من مسؤولي الشركة مع رئيسها التنفيذي ريكس تيلرسون ونوابه بضع مرات في ربيع 2011.
وعقد الاجتماع الأول في مقر إكسون قرب دالاس. وقدم فريق إكسون الصغير تقريرا لتيلرسون في قاعة المؤتمرات الفسيحة الملحقة بمكتبه.
واستمع رئيس الشركة بهدوء لما قدم له من معلومات تركزت على التكنولوجيا والجيولوجيا وقدر ضئيل من الشرح للوضع السياسي في العراق. وبعد ذلك تركز أغلب أسئلة تيلرسون على السياسة. وهنا تكلم الخضيري.
قال الخضيري "قلت له كل شيء اعتقدت أنه سيحدث في العراق. قلت إذا كنت تريد إدارة المخاطر فآخر مكان تريد أن تكون فيه هو بغداد أو جنوب العراق."
ونبهه إلى أن تلك المناطق مليئة بالميليشيات الشيعية التي قتلت وشوهت الافا من الجنود الأمريكيين إلى جانب "المتمردين من البعثيين الجدد وخلايا تنظيم القاعدة النائمة والحرس الثوري الايراني."
وبدلا من كل ذلك أشار إلى كردستان التي كانت أكثر سلاما وأسهل في التنبؤ بمآل الأمور يها ومؤيدة بشدة للامريكيين.

شبه انهيار
وسرعان ما بدأت المحادثات الجادة مع الأكراد إذ اتصل الخضيري بفؤاد حسين حسبما قال رئيس ديوان الرئاسة في كردستان. والتقى الجانبان سرا في لندن ودبي واربيل.
وكان المفاوض الرئيسي من الجانب الكردي وزير النفط والغاز أشتي هورامي. لكن رئيس كردستان مسعود البرزاني دفع بحسين أيضا لحضور المحادثات. وعلى غير العادة حضر الرئيس بنفسه بعض الاجتماعات في المحادثات التي مثل إكسون فيها مديرون كبار من تكساس.
لكن المحادثات لم تقتصر على إكسون والأكراد. فقد قال حسين إن مجموعة شل أكبر شركات النفط الأوروبية كانت طرفا في المحادثات.
كانت شل الشريك الاصغر لاكسون في حقل غرب القرنة وكان لها صفقة منفصلة مع بغداد لاستثمار عشرات المليارات من الدولارات في حقل مجنون بجنوب العراق.
واعتقدت إكسون وشل إن اتحادهما سيجعل من الصعب على بغداد استبعادهما من الجنوب حتى إذا أبرما صفقة مع كردستان. وكانت القيمة السوقية للشركتين معا تتجاوز 600 مليار دولار.
وعقد الاجتماع الأول في اربيل التي تتوسطها قلعة تعتبر من أقدم المستوطنات المأهولة دون انقطاع في العالم. وكان فريق إكسون معنيا بعلاقة كردستان ببغداد والاستقرار في الأجل الطويل وأمطر البرزاني بأسئلته عن آرائه فيما يتعلق بالعراق.
وقال حسين "كانوا يريدون أن يعرفوا كيف يفكر رئيسي وما هي رؤيته." وأضاف أن البرزاني وصف سياسات رئيس الوزراء العراقي المالكي بأنها ضارة بالعراق وقال "إذا استمر الوضع بهذا السوء للبلاد فهو أمر خطر ولا بد من تغيير المسار."
وامتنع البرزاني والمالكي عن التعقيب.

وفي صيف 2011 ومع استمرار المفاوضات باعت كردستان امتيازين نفطيين لشركة هيس الأمريكية. وكانت إكسون وشل تحرصان على الفوز بالامتيازين وكادت هذه المفاجأة أن تضع نهاية للمحادثات حسبما قال حسين.
وقال الخضيري وحسين إن البرزاني وعد بشروط أكثر إغراء لاظهار مدى جدية اربيل.
وتم الترتيب لعقد مراسم التوقيع في ابريل في منتصف أكتوبر تشرين الاول لكن تعقيدات أخرى ظهرت. فقد كانت شل في المراحل النهائية من المحادثات مع بغداد للحصول على الحقوق الحصرية لمعالجة كل الغاز الطبيعي في جنوب العراق وذلك في صفقة قيمتها 17 مليار دولار. وخشيت شل أن تعرقل بغداد صفقة الغاز إذا وقعت على الاتفاق مع اربيل.
وفي اجتماع مع البرزاني بفندق امبريال في فيينا حيث كان الرئيس الكردي يقضي عطلة قال مديرو اكسون إنهم ملتزمون بالتوقيع بينما بدا أن مديري شل كانوا أقل ثقة.
وما لم يعرفه البرزاني وإكسون أن بيتر فوسر الرئيس التنفيذي لشل كان في بغداد يقابل المالكي للفوز بصفقة الغاز في جنوب العراق. وقبل ثلاثة أيام فحسب من توقيع الصفقة الكردية أخطرت شل إكسون أنها لم تعد مهتمة بها.
وامتنع متحدث باسم إكسون عن الرد على أسئلة عن اتفاق كردستان. وقال المتحدث "اليوم تركيزنا منصب على اتمام مشروع شركة غاز البصرة وتطوير حقل مجنون للنفط وهما من المشروعات ذات الأهمية الحيوية للإعمار والتنمية الاقتصادية" في العراق.

طموحات اقليمية

ومضت إكسون في الصفقة وكانت تعتقد أن شركات منافسة مثل شيفرون وتوتال ستحذو حذوها.
ورغم ذلك لم يهلل مسؤولو الشركة للصفقة وتوجه وفد من إكسون إلى اربيل للتوقيع. وبقي تيلرسون في دالاس.
وكانت الامتيازات الستة التي فازت بها إكسون موزعة على مناطق مختلفة في الاقليم. فكان إحدها قرب تركيا وكان آخر قرب الحدود مع ايران بينما كانت الامتيازات الثلاثة الأكثر إثارة للخلافات على امتداد الخط الذي يفصل كردستان عن بقية العراق ويمر بمناطق تتنازع اربيل وبغداد السيطرة عليها.
وأدرج الأكراد هذه الامتيازات في الصفقة وفي وقت لاحق تمكنوا من الفوز بموافقة محافظ نينوى أحد الأقاليم المعنية.
وبدا للبعض وكأن اربيل تستغل إكسون لتعزيز حدودها. وقال حسين إن اربيل سيطرت الاراضي المتنازع عليها ولم تكن بحاجة لشرعية شركة النفط الكبرى. ومع ذلك وصف البرازاني وجود شركات مثل إكسون بأنها شكل من أشكال التأمين لكردستان.

محظورات قليلة

عندما تسربت أنباء الصفقة في أوائل نوفمبر تشرين الثاني 2011 ثارت ثائرة بغداد وواشنطن. وكتب المالكي رسالة للرئيس أوباما يطالبه بدفع إكسون لإلغاء الاتفاق. واستدعى نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة مديري إكسون لتفسير ما حدث.
وبالنسبة لواشنطن كانت الصفقة محرجة. فقد بنيت الاستراتيجية الأمريكية على دعم المالكي وسياسة "عراق واحد" القائمة على دولة موحدة في ظل حكومة مركزية قوية. أما الان فقد تصرفت واحدة من أكثر الشركات الامريكية نفوذا بما يضعف هذا النهج.
وقال دبلوماسي أمريكي سابق لرويترز إن الحكومة الأمريكية لم تعرف بالصفقة إلا قبل توقيعها بأقل من يوم. وكان السفير الأمريكي لدى العراق جيمس جيفري يتميز غيظا على حد قول الدبلوماسي السابق.
وأضاف "ما فهمته أن (جيفري) استخدم بعض الألفاظ النابية."
ويتذكر حسين اجتماعا متوترا حضره هو ووزير النفط الكردي هورامي مع جيفري في بغداد عقب توقيع الصفقة.
قال حسين "كان في غاية الحنق. وكنا نحاول شرح أن مانفعله في صالح العراق وفي صالح الأكراد وقانوني."
وامتنع هورامي عن التعقيب. وترك جيفري وزارة الخارجية وتردد أنه أصبح مستشارا لإكسون لكنه امتنع عن التعقيب على ما حدث لهذا التقرير.

ورغم الغضب كانت الصفقة انتصارا سياسيا للأكراد. فقد أوضحت إكسون أن اربيل يمكنها اجتذاب شركات النفط الكبرى بغض النظر عما تراه بغداد. وكشف هورامي عن الصفقة في مؤتمر عن الطاقة عقد في اربيل في أواخر عام 2011.
وقال هورامي إن إقليم كردستان وقع عقودا في البداية مع شركات صغيرة لكنه الآن يتعاون مع الشركات العملاقة.
وخلال بضعة شهور وقعت شيفرون وتوتال اتفاقات مما عزز وضع كردستان. وتلا ذلك اتفاق مع جازبروم الروسية.
وقال روبرت فورد الذي تقاعد من منصبه كسفير للولايات المتحدة لدى سوريا في فبراير شباط وخدم في العراق ثلاث فترات سابقة "ما يربط كردستان حقا ببغداد هو المال."
وأضاف "كلما كان لدى الأكراد مصدرا مستقلا للدخل وخاصة من الطاقة عزز ذلك من رغبتهم في إقامة حكم ذات أكبر إن لم يكن في الاستقلال عن بغداد."


في يناير كانون الثاني عام 2013 قام تيلرسون الرئيس التنفيذي لإكسون بزيارته الوحيدة حتى الان للعراق فسافر إلى بغداد لاصلاح الجسور مع الحكومة المركزية. وليس من الواضح ما حدث في ذلك الاجتماع لكن بغداد لم تفسخ اتفاقها مع اكسون. بل إن اربيل مدت خط أنابيب إلى تركيا لتسهل تصدير نفطها.
ومازالت الصراعات تصدع العاصمة العراقية لكن الأمور بدأت تتحسن بالنسبة لإكسون.
فقد تم ابعاد أبرز معارضي الشركة في العراق وهم المالكي واثنين من كبار الساسة في العراق عن مواقع السلطة هذا العام في الانتخابات. وكان من خلفوا الثلاثة في مواقعهم أكثر ميلا للمصالحة كما أظهر الاتفاق الذي تم توقيعه هذا الاسبوع مع اربيل.
ولا يشعر الخضيري الذي أسس شركة استشارية خاصة به بالمفاجأة.
ويقول "أعتقد بالنسبة لإكسون بوجودهم 125 سنة اعتبرت معارضة المالكي ببساطة شيئا يمكن التعامل معه والتخفيف من حدته 

#Iraq #KSA #oil #Kuwait #Syria #EGYPT #UAE."